فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)}.
ونلحظ وجود ذ همزة وفاء في قوله: {أَفَأَمِنَ} وهذا يعني أن هناك معطوفًا ومعطوفًا عليه، ثم دخل عليهما الاستفهام، أي أنهم فعلوا وصنعوا من الكفر والعصيان فأخذناهم بغتة، أبعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا وعذابنا بياتًا أو ضحى كما صنع بمن كان قبلهم من الأمم السابقة؟ هم إذن لم يتذكروا ما حدث للأمم السابقة من العذاب والدمار.
ويوضح الحق أن الذين كذبوا من أهل القرى، هل استطاعوا تأمين أنفسهم فلا يأتيهم العذاب بغتة كما أتى قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب؟ والبأس هو الشدة التي يؤاخذ بها الحق سبحانه الأمم حين يعزفون عن منهجه. وما الذي جعلهم يأمنون على أنفسهم أن تنزل بهم أهوال كالتي نزلت بمن سبقهم من الأمم.
وحين يتكلم الحق عن الأحداث فهو يتكلم عما يتطلبه الأحداث من زمان ومكان؛ لأن كل حدث لابد له من زمن ولابد له من مكان، ولا يوجد حدث بلا زمان ولا مكان، والمكان هنا هو القرى التي يعيش فيها أهلها، والزمان هو ما سوف يأتي فيه البأس، وهو قد يأتي لهم وهم نائمون، أو يأتي لهم ضحى وهم يلعبون، وهذه تعابير إلهية، والإِنسان إذا ما كان في مواجهة الشمس فالدنيا تكون بالنسبة له نهارًا. والمقابل له يكون الليل. وقد يجيء البأس على أهل قرية نهارًا، أو ليلًا في أي وقت من دورة الزمن، ونعلم أن كل لحظة من اللحظات للشمس تكون لمكان ما في الأرض شروقًا، وتكون لمكان آخر غروبًا، وفي كل لحظة من اللحظات يبدأ يوم ويبدأ ليل، إذن أنت لا تأمن يا صاحب النهار أن يأتي البأس ليلًا أو نهارًا، وأنت يا صاحب الليل لا تأمن أن يكون البأس نهارًا أو ليلًا.
وأهل القرى هم الذين قال الله فيهم: {... ولكن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].
وماداموا قد كذبوا فمعنى ذلك أنهم لم يؤمنوا برسول مبلغ عن الله، وتبعًا لذلك لم يؤمنوا بمنهج يحدد قانون حركتهم ب افعل ولا تفعل.
إذن فنهارهم هو حركة غير مجدية، وغير نافعة، بل هي لعب في الحياة الدنيا، وليلهم نوم وفقد للحركة، أو عبث ومجون وانحراف، وكل من يسير على غير منهج الله يقضي ليله نائمًا أو لاهيًا عاصيًّا، ونهاره لاعبًا؛ لأن عمله مهما عظم، ليس له مقابل في الآخرة من الجزاء الحسن. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {ضُحىً} مَنْصوبٌ على الظَّرف الزَّمانيِّ، ويكون متصرفًا وغير متصرف، فالمتصرَّفُ ما لم يرد به وقته من يوم بِعَيْنِهِ نحو: ضُحاك ضحىً مُبَرَك.
فإن قلت: أتَيْتُكَ يوم الجُمْعَةِ ضُحىً فهذا لا يتصرّف، بل يَلْزَمُ النَّصْبُ على الظَّرْفية، وهذه العبارَةُ أحسنُ من عِبَارَةِ أبِي حيَّان حيث قال: ظرف متصرِّفٌ إذا كان نكرةً، وغير متصرِّلإ إذا كان من يوم بعينه؛ لأنَّهُ تَوَهَّم متى كان معرفةً بأي نوع كان من أنواع التَّعْرِيف فإنَّهُ لا يتصرَّفُ، وليس الأمر كذلك قال تعالى: {والضحى} [الضحى: 1] فاستعمله مجرورًا بالقسم مع أنه معروفٌ بأل، وقال تعالى: {والشمس وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] جرّه بحرف القسم أيضًا مع أنَّهُ معرَّفٌ بالإضافة، وهو امتداد الشَّمْسِ وامتداد النَّهار.
ويقال: ضُحى، وضحاءُ، إذا ضَمَمْتَ قَصَرْتَ، وإذا فتحت مَدَدْتَ.
وقال بعضهم: الضُّحى بالضم والقسر لأول ارتفاع الشمس والضَّحَاءُ بالفتح والمدِّ لقوَّة ارتفاعها قبل الزَّوَالِ.
والضُّحى مُؤنَّثٌ، وشذُّوا في تصغيرِهِ على ضُحَيٌّ بدون تاء كعُرَيْب وأخواتها، والضَّحَاءُ أيضًا طعامُ الضُّحَى كالغّدَاء طَعَامُ وَقْتِ الغدْوَة يقال منهما: تَضَحَّى ضَحَاءً وتَغَدَّى غَدَاءً: وضَحِيَ يَضْحَى إذَا برز للشَّمْسِ وقت الضُّحَى، ثم عُبِّر بِه عن إصَابَةِ الشَّمْسِ مطلقًا، ومنه قوله: {وَلاَ تضحى} [طه: 119] [أي]: لا تبرزُ للشمس.
ويقال: ليلة أضحِيَانَةٌ بضمِّ الهمزة، وضَحْيَاء بالمدِّ أي: مضيئة إضاءَةُ الضُّحى، والأضْحِيَة وجمعها: أضَاحِ، والضَّحِيَّة وجمعها ضحايا، والأضْحَاة وجمعها أضْحىً هي المَذْبُوحُ يوم النَّحْرِ، سمِّيَت بذلك لذَبْحها ذلك الوقت لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ صَلاتِنَا هَذِهِ فَلْيُعِدْ».
وضواحي الشَّيء نواحيه البارزة.
قوله: {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} حالٌ، وهذا يقوِّي أنَّ {بَيَانًا} ظرفٌ لا حال، لتتطابق الجملتان فيصيرُ في كلٍّ منهما وقت وحال، وأتى بالحال الأولى مُتَضَمِّنَة لاسم فاعلٍ؛ لأنَّهُ يدلُّ على ثباتٍ واستقرارٍ وهو مناسب للنَّوْمِ، وبالثَّانيةِ متضمِّنة لفعل؛ لأنَّهُ يدلُّ على التجدُّدِ والحدوث وهو مناسبٌ لِلَّعب والهزل.
قال النَّحَّاسُ: وفي الصَّحاح: اللَّعِبُ معروفٌ، واللّعْبُ مثله، وقد لَعِبَ يَلْعَبُ، ويَلْعبُ مرة بعد أخرى، ورجل تَلْعَابَةٌ: كثيرٌ اللَّعبِ والتَّلْعَابُ بالفتح المصدر، وجارته لَعُوبٌ.
وقرأ نافع وابن عامِر وابنُ كثيرٍ {أوْ} بسكون الواو والباقون بفتحها، ففي القراءة الأولى تكونُ {أو} بجملتها حرف عطف ومعناها حينئذ التقسيم.
قال ابنُ الخطيبِ: تسعتملُ على ضَرْبَيْن:
أحدهما: أن تكون بمعنى أحد الشَّيْئيْنِ كقوله: زيد أو عمرو جاءك، والمعنى: أحدهما جاء.
والثاني: أن تكون للإضْرابِ عمَّا قبلها كقولك: أنَا أخْرُجُ ثم تقول: أو أقيم أضربت عن الخروج وأثبت الإقامة، كأنك قلت: لا بل أقيمُ، فوجه هذه القراءة أنَّهُ جعل أو للإضراب، لا على أنَّه أبطل الأوَّلَ.
وزعم بعضهم أنَّها للإبَاحةِ والتَّخْيير، وليس بظاهرٍ.
وفي القراءة الثَّانية هي واو العَطْفِ دخلت عليها همزة الاستفهام مقدَّمة عليها لفظًا، وإنْ كانت بَعْدَهَا تقديرًا عند الجمهور.
وقد عرف مذهب الزَّمَخْشَرِيِّ في ذلك، ومعنى الاستفهام هنا: التَّوبيخُ، والتَّقريعُ.
وقال أبُو شَامَة وغيره: إنَّهُ بمعنى النَّفي.
وكرّرت الجملة في قوله تعالى: {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى}: {أفَأمِنوا} توكيدًا لذلك، وأتي في الجُمْلَةِ الثَّانية بالاسم ظاهرًا، وحقّه أن يضمر مبالغة في التَّوْكِيد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)}.
أكثر ما ينزل البلاء ينزل فجأةً على غفلةٍ من أهله، ويقال مَنْ حَذِرَ البيات لم يجدْ روْحَ الرُّقاد.
ويقال رُبَّ ليلةٍ مُفْتَتَحةٍ بالفَرَحِ مختتمةٌ بالترح. ويقال رُبّ يومٍ تطلع شمسه من أوج السعادة قامت ظهيرته على قيام الفتنة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (99):

قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ضلالهم- الذي نسبوا فيه الأمر إلى غير أهله- أشنع ضلال لتضمنه التعطيل وما يجر إليه من الأباطيل، كرر الإنكار عليهم على وجه أشد من الأول فقال مسببًا الإنكار عما أثبت هذا الكلام من العظمة التي لا يتمارى فيها ذو لب: {أفأمنوا مكر الله} أي فعله الذي يشبه المكر بأخذ الإنسان من حيث لا يشعر بالاستدراج بما يريد من النعم والنقم؛ وسبب عن ذلك قوله: {فلا يأمن مكر الله} أي الذي لا أعظم منه فلا يرد له أمر {إلا القوم الخاسرون} أي الذين كانت قواهم سببًا لعراقتهم في الأفعال الضارة والخصال المهلكة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله} وقد سبق تفسير المكر في اللغة، ومعنى المكر في حق الله تعالى في سورة آل عمران عند قوله: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} [آل عمران: 54] ويدل قوله: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله} أن المراد أن يأتيهم عذابه من حيث لا يشعرون.
قاله على وجه التحذير، وسمي هذا العذاب مكرًا توسعًا، لأن الواحد منا إذا أراد المكر بصاحبه، فإنه يوقعه في البلاء من حيث لا يشعر به، فسمي العذاب مكرًا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون، وبين أنه لا يأمن من نزول عذاب الله على هذا الوجه {إِلاَّ القوم الخاسرون} وهم الذين لغفلتهم وجهلهم لا يعرفون ربهم، فلا يخافونه، ومن هذه سبيله، فهو أخسر الخاسرين في الدنيا والآخرة، لأنه أوقع نفسه في الدنيا في الضرر، وفي الآخرة في أشد العذاب. اهـ.

.قال الثعلبي:

{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون} ومعنى {مكر} استدراج القوم بما أراهم في دنياهم.
قال قتادة: مكر الله استدراجه بطول الصحة وتظاهر النعم، وقال عطيّة: يعني أخذه وعذابه، وحكى الشبلي أنه سئل عن مكر الله فأجاب بقول:
محبتك لا ببعضي بل بكلي ** وإن لم يبقَ حبك لي حراكًا

ومقبح من موالد ليفع ** ل سنتي ويفعله فيحسن

فقال السائل: اسأله عن آية من كتاب الله ويجيبني من الشعر فعلم الشبلي أنه لم يفطن لما قال، فقال: يا هذا [....] إياهم على ما هم فيه. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أفَأمنُوا مَكْرَ الله}.
و{مكر الله} هي إضافة مخلوق إلى الخالق كما تقول: ناقة الله وبيت الله، والمراد فعل يعاقب به مكرة الكفار، وأضيف إلى الله لما كان عقوبة الذنب فإن العرب تسمي العقوبة على أي وجه كانت باسم الذنب الذي وقعت عليه العقوبة، وهذا نص في قوله: {ومكروا ومكر الله}، وهذا الموضع أيضًا كان كفرهم بعد الرسالة وظهور دعوة الله مكر وخديعة واستخفاف، وقيل عومل في مثل هذا وغيره اللفظ دون المعنى في مثل قوله: {الله يستهزىء بهم} [البقرة: 15] و«أن الله لا يمل حتى تملوا» وغير ذلك. اهـ.